بين لقاء الأونيسكو ولقاءات معراب

تتمة ما نشر اعلاه

يقول أحد منظمي لقاء الأونيسكو أن نقاشاً جادّاً جرى في مرحلة التحضير لعقد اللقاء حول مدى القدرة على تأمين النصاب الوطني في هذه المرحلة التي يبدو فيها المشهد ضبابياً إلى حدود عدم القدرة على الرؤية الواضحة والتقدير السليم، إلّا أنّ ثبات شباب المقاومة في الميدان وفائض العاطفة التي عبّر عنها كلّ الحلفاء من قوى وأحزابٍ وشخصياتٍ وطنية وحركاتٍ إسلامية يوم إستشهاد الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله جعل اتخاذ القرار سهلاً، وكان الإيمان بأنّ الكلّ سيحضر، وهو ما حصل فعلاً. 

من يدقق في صور اللقاء التي إنتشرت بعيد انتهائه، سيكتشف أن لا ثلث مناطقياً ولا ثلث طائفياً ولا ثلث مذهيياً عطّل نصاب اللقاء، وأن الإلتفاف الوطني حول المقاومة باقٍ ولا حاجة لعدّ الحاضرين، لأن وبحسب متابعٍ دقّق في الحضور، فإن أحداً لم يغب، بل وحرص الكثير من الأحزاب على أن يكون ممثلاً بقياداتٍ من الصف الأول، فيما كان لافتاً الحضور النيابي الوازن، وكذلك مشاركة وزارء سابقين وشخصياتٍ وطنيةٍ، وكذلك إعلاميين من الصف الأول، إلى حدّ أنّ البعض اضطرّ أن ينتظر ريثما يتمّ إيجاد مقعدٍ له، علماً أن الدعوة لم تكن مفتوحةً، وهي وُجهت بناءً على لائحةٍ درست بعنايةٍ، ولم يكن هناك أيّ مسعى لجمع حشدٍ قد يذهب البعض لتوصيفه بالحشو، مع ضرورة الإشارة إلى أن من غابوا نتيجة ظروف خارجة عن إرادتهم، رغم قلّتهم، أكدوا موافقتهم المسبّقة على البيان الذي صدر عن اللقاء واستعدادهم للمشاركة في لجنة المتابعة التي انبثقت.

وفي تفصيل أدق للمشهد، يقول أحد النقّاد أّنه كان يعتقد أن الدعوة لمثل هذا اللقاء في هذا التوقيت ضربٌ من الجنون، فهذا إمتحان وليس دعوةً إلى لقاءٍ لملء جدول أعمالٍ يوميٍّ أو تسجيل نشاطٍ سياسيٍّ، إذ أنّ الحضور فقط ومن دون حتى الإدلاء بتصريحٍ هو موقفٌ تاريخيٌّ في لحظةٍ تاريخيةٍ يُراد فيها الاستفراد بالمقاومة، وقد تكون هناك الكثير من الحسابات التي تفضي إلى تأجيل المشاركة في مثل هكذا لقاء، خصوصاً إذا ما تابع من وُجِّهت إليهم الدعوات تغطية الإعلام اللبناني وبعض ما يطرحه قادة أحزابٍ ونوابٌ ووزراء وصحافيون وضيوف من نوع "هات إيدك ولحقني" من نظرياتٍ حول اليوم التالي بعد حزب الله أو طموح وراثة جمهور المقاومة والحلفاء، لتكون المفاجأة بالحضور الوطني مكتمل النّصاب على مستوى كل الأحزاب والحركات من دون إستثناءٍ يضاف إليه حضور شخصياتٍ لها وزن سياسي وانتخابي في المناطق التي تنشط فيها، لتكون المحصّلة أن المقاومة نجحت في جمع كل حلفائها ومعهم وافدين جدد كالجماعة الإسلامية وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية التي إفترقت عن تحالفها الإنتخابي مع حزب الله في إنتخابات ٢٠٢٢. والأكيد أيضاً أن سمير جعجع كان يحلم أن يستطيع جمع مثل هذه التشكيلة الوطنية الكبيرة حوله في قلعة معراب في زمن شعوره المصطنع بالنصر على خصومه.

بالإضافة إلى أهمية الصورة الجامعة، فإنّ مضمون البيان أو الوثيقة التي صدرت بعيد إنتهاء اللقاء، والتي يمكن توصيفها بضربة معلم فهي ثبتت أولاً لبنانية قرار التصدي للعدوان وحق المقاومة في الدفاع عن أرضها. كما وصّفت ما يرتكبه العدو من جرائم وحشية تطال الأبرياء وتلاحق النازحين وتستهدف ممتلكات المواطنين، كذلك فوّت البيان الفرصة على الراغبين داخلياً في السجال مع المقاومة من خلال تأكيده الوقوف خلف الموقف الرسمي اللبناني ودعمه وتوجه بالتحية إلى المواطنين اللبنانيين الذين إضطروا إلى مغادرة منازلهم، وطالب بتأمين متطلبات صمودهم وحمايتهم، حاسماً قرار عودتهم لحظة دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وشكر المستضيفين على احتضانهم المميز لإخوتهم، داعياً إلى تحصين الوحدة الوطنية وتأجيل الخلافات الداخلية إلى حين إنتهاء العدوان، مطالباً بإسكات مثيري الفتن. 

كما تطرّق البيان إلى ضرورة العمل على خطط إعادة الإعمار لضمان حقوق من هدمت بيوتهم، ولم يغفل التوجه بالشكر لكلّ الجهات التي تدعم لبنان سياسياً ومالياً من دون أن يدخل في تسمياتٍ لا داعي لها، واللبيب من الإشارة يفهم.

في الخلاصة بات بالإمكان إدخال مصطلحٍ جديد إلى قاموس الحياة السياسية اللبنانية هو "لقاء الأونيسكو" وعلى خصوم المقاومة ومعهم سفارة عوكر قراءة المشهد جيداً، لأنه ليس تفصيلاً، وقد يحتاج تركيب مثله في المقلب الآخر ملايين الدولارات والكثير من الضغوطات والتمنيات، التي قد تفضي في نهاية المطاف إلى ما أفضت إليه لقاءات معراب التي سقطت الرهانات عليها قبل انعقادها، وقد يكون من المفيد التدقيق جيداً في كل إسم بما يمثّل ممّن حضروا للتأكد من أن موازين اللعبة الداخلية إن تبدّلت، فهي تبدلت لصالح المقاومة، وأن سلخ طوائف ومذاهب عن تاريخها سيبقى وهماً، ولا سيما أن المكلّف بالمهمة غير مؤهلٍ لدى الكثير من اللبنانيين للعب دورٍ وطنيٍّ، بعكس المقاومة التي تلعب اليوم دور وطنياً وعربياً وإسلامياً مميزاً يدفع أحد المتابعين إلى طلب إجراء إحصاءٍ موثوقٍ حول شعبية المقاومة، لتأكيد أنّها باقيةٌ وتتمدد في الساحة الوطنية وخارجها، وأن كل الحملات الإعلامية التي تواكب الحملة العسكرية عليها لم ولن تعطي ثمارها. وإذا كان لقاء الأونيسكو بداية عودة الحراك السياسي لأحزاب وقوى وشخصيات المحور التي لن تتفرق كما يراهن البعض، وهي تدرك جيداً حقيقة المشروع الذي يستهدفها، فإنّ تشييع جثمان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بحسب مصدر مطلع سيكون أولاً يوم الوفاء لقائدٍ أمميٍّ عظيمٍ، وثانياً تفويضٌ شعبي للمقاومة غير مسبوق في تاريخ لبنان، وثالثاً إعادة رسم لموازين القوى، ورابعاً إسقاطٌ لأوهام وأحلام من في الداخل والخارج، وخامساً إستعدادٌ لمرحلةٍ جديدةٍ في السياسة فاز فيها من إلتحق، وخسر من تخلّف أو تردد، وصناديق الإقتراع هي الحكم في إنتخابات العام ٢٠٢٦ التي يبدو أن البعض وبإيحاء خارجي بدأ يستعجلها ظناً منهم أنها ستنتج مجلساً يعزل بموازين أميركية ولكن شتان بين الحلم والواقع ومن يعش يرى.